عاش جمهور السينما في تونس مساء السبت الماضي 5 أفريل 2014 بقاعة سينما «الكوليزي» في العاصمة لحظات من الحنين والشوق الى سينما التسعينات كـ«عصفور السطح» لفريد بوغدير و«يا سلطان المدينة» لمنصف ذويب وذلك من خلال فيلم روائي جديد بعنوان «باب الفلة» للمخرج مصلح كريّم.
نظم المخرج السينمائي مصلح كريّم مساء السبت 5 أفريل 2014 بقاعة «الكوليزي» في العاصمة، العرض قبل الاول لفيلمه الروائي الجديد «باب الفلة» وسط حضور جماهيري كبير لم تعرفه قاعات السينما في تونس منذ وقت طويل. وقد اضطر أصحاب القاعة أمام كثافة عدد الوافدين لاكتشاف الفيلم الى فتح الطابق الثاني للقاعة أو ما يعرف بـ«البالكون». كما حضر العرض أغلب السينمائيين والممثلين والمبدعين والاعلاميين الى جانب بعض السياسيين ووجوه معروفة من المجتمع المدني.
قبيل العرض
و«باب الفلة» هو أول فيلم روائي طويل للمخرج مصلح كريم يشارك في بطولته أبرز نجوم السينما والتلفزيون أمثال فتحي الهداوي ودرّة زرّوق وفاطمة بن سعيدان وشاكرة رماح ويونس الفارحي وعلي بنور ومنصف السويسي وعبد المجيد الاكحل وسهام مصدق وقابيل السياري وتوفيق البحري ومنال عبد القوي الى جانب الممثلة المغربية نفيسة بن شهيدة.. وقد صعد أغلب الممثلين قبيل انطلاق العرض الى ركح القاعة باستثناء فتحي الهداوي ودرة زروق والمغربية نفيسة بن شهيدة الذين تغيبوا عن الاحتفال لتحية الحاضرين رافقهم لمخرج مصلح كريم والمنتجة خديجة المكشر.
باب الفلّة
ويتناول فيلم «باب الفلة» المشهد الاجتماعي والثقافي والسياسي في تونس في أوائل التسعينات من القرن الماضي من خلال مذكرات أو يوميات كهل من أصول ايطالية يقيم في دار للمسنين تديرها الراهبات وذلك بعد اصابته بجلطة قلبية كادت تودي بحياته.
ويستحضر هذا الأخير ويدعى «جياني» ذكرياته مع الحي الشعبي «باب الفلة» الذي كان يقيم فيه متوقفا في كل فصل عند مرحلة من حياته بدءا من ادارته قاعة «سينما العالم» (Cinéma du monde) التي فضلها على مهنة النجارة التي كان يمارسها والده وصولا الى قمة الحب المأساوية التي انتهت به وسط غرفة مظلمة في دار الراهبات يجلس مقعدا على كرسي متحرك منتظرا الموت في كل يوم وفي كل لحظة.
مذكرات
وتبدأ خرافة أو حكاية الفيلم من داخل الغرفة المظلمة حين يزوره شاب يدعى «طارق» أمله الوحيد اكتشاف سرّ المذكرات التي عثر عليها في المنزل القديم الذي اشتراه والداه لما كان صبيا.
وما أن يتأكد «جياني» الذي يؤدي دوره في الفيلم الممثل علي بنور من صدق الشاب ومن أن المذكرات التي بين يديه هي مذكراته التي كتبها قبل اصابته بجلطة حتى تدب فيه الحياة من جديد ويبدأ في استحضار ذكرياته مع قاعة «سينما العالم» التي لم تكن بالنسبة اليه مورد رزق او استثمارا عاديا وانما عشق وحياة على حد قول «ڤو دار».
عالم السينما
ومن عالم السينما أو «سينما العالم» يأخذنا «جياني» في الفيلم إلى عالمه الخاص الذي يشبه حكايات الأفلام من علاقته بـ«جانيت» التي تؤدي دورها في الفيلم الممثلة المغربية نفيسة بن شهيدة، إلى وقوعه في حب «عزة» الفتاة الجميلة والبريئة التي تؤدي دورها درة زروق، مرورا بمغامرات «الشا» (chat) أو «سليم» الذي يؤدي دوره الممثل قابيل السياري، وهو خطيب «عزة» ومسؤول القاعة الذي يكشف لـ«جياني» كل أسرار الحي وسكانه، كـ«لسعد» (فتحي الهداوي) «باندي الحومة» و«حسن» (منصف السويسي) رئيس الشعبة، و«ربيعة» (فاطمة سعيدان) المعتوهة، و«الحاج» (محمد المورالي).
مأساة جياني
وتبدأ مأساة «جياني» في الفيلم، منذ وقوعه في حب «عزة» واكتشاف عشيقته «جانيت»، لذلك، فتقدم على قتلها وهو ما يكشف الشخصية الحقيقية لـ«جانيت» وخصوصا شقيقها «تنتوشة» الذي يؤدي دوره في الفيلم يونس الفارحي، وهو أبله لطيف في الظاهر، ولكنه وحش مخبول في الباطن إذ يقدم على قتل كل من تحاول خيانة شقيقته، أو تعترض على أوامرها، بما في ذلك عاملات أو بائعات الهوى في «دار المتعة» التي تديرها. وما أن يكتشف «جياني» أنه وراء كل هذه الجرائم، بسبب عشق «جانيت» له، ورفضها كل علاقة أخرى يقيمها مع فتاة غيرها، حتى يصاب بجلطة قلبية تنتهي به إلى كرسي متحرك في دار للراهبات.
التسعينات
ومن حول هذه المأساة أو التراجيديا الهوليودية في الحقيقة، التي تذكّر بما يعرف بأفلام (Tueurs en série) يرسم المخرج حدود الاطار الزماني والمكاني الذي تدور فيه الأحداث وهو أوائل التسعينات في حي شعبي بالمدينة العتيقة (باب الفلة) ويستحضر المخرج في هذا الإطار المشهد الاجتماعي والثقافي والسياسي، السائد في ذلك الوقت، بدءا من قضايا الفقر والبطالة والجريمة، وصولا إلى هيمنة الحزب الحاكم ورفض كل فكر أو سياسة مخالفة.. وتتمثل هذه القضايا في ضياع أبناء الحي وفي مقدمتهم «سليّم» الذي ما أن يعثر على عرض من جياني لإدارة قاعة السينما، حتى يعود إليه الأمل ويبدأ بالتفكير في الزواج من «عزة» بعد أن كان مطاردا من «البوليس» ويلخص سلوك «حسن» رئيس الشعبة في الحي المشهد السياسي في ذلك الوقت، حيث كان «الفاتق الناطق» كما يقال لا يرفض له طلب.
أما الثقافة، فقد كانت في الفيلم المشهد الوحيد المشع في تلك الفترة، وخصوصا السينما التي عرفت قفزة نوعية سواء من حيث الانتاج أو اقبال الجمهور عليها، وقد استغل المخرج الأعمال التي شارك فيها في ذلك الوقت مثل «عصفور السطح» لفريد بوغدير و«سلطان المدينة» لمنصف ذويب لعرض مقاطع منها في الفيلم، خصوصا المقاطع أو المشاهد التي كانت محل جدل كمشاهد العري في «عصفور السطح».
ولم يخل الفيلم، رغم مأساوية حكاية «جياني» الذي يموت في آخر الأحداث، من روح هزلية مرحة تجسدت بالخصوص في مشاهد سلوك المتفرجين أيام زمان داخل قاعات السينما، وسلوك رئيس الشعبة و«باندي الحومة».
محسن عبد الرحمان
إرسال تعليق